أنْ
تأتي ( أنْ ) على أربعة أوجه :
1 ـ حرف نصب ومصدر واستقبال ، تنصب الفعل المضارع وتؤول معه إلى المصدر يعرب بحسب موقعه من الجملة ، كما تعين وقوع الفعل في الزمن المستقبل ، نحو قوله تعالى ( وأن تصوموا خير لكم )(1) .
ومنه قول لبيد :
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وتخل ( أن ) على الفعل الماضي والأمر ولا تعمل فيهما وتعرب حرف مصدر لا غير . مثال دخولها على الماضي قوله تعالى ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ )(2) .
ومنه قول أبي تمام :
فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى الناس أنْ ليست عليهم بسرمد
ومثال دخولها على الأمر :
قوله تعالى ( وألنا له الحديد أن أعمل سابغات )(3) .
وقوله تعالى ( من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون )(4) .
وقوله تعالى ( ولقد آتينا لقمان الحكمة أن أشكر لله )(5) .
وقد أشار أبو حيان في البحر المحيط إلى أن ( أنْ ) الداخلة على الفعل الأمر يجوز أن تكون مفسرة لا مصدرية ، ولكن النحاة لم يجيزوا ذلك .
ويجب ملاحظة أن الجملة بعد ( أن ) المصدرية تعرب صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب ، باعتبار أن ( أنْ ) موصول حرفي .
ـــــــــــــ
(1) البقرة [184] (2) هود [69] .
(3) سبأ [10-11] (4) النحل [2] .
(5) لقمان [12] .
أنْ
2 ـ ( أن ) المخففة من الثقيلة المفتوحة همزتها ، وهي تعمل بشرط أن يليها ضمير الشأن المحذوف ، ولا يكون خبرها جملة فعلية كقوله تعالى ( ونعلم أن قد صدقتنا )(1) .
وقوله تعالى ( بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً )(2) .
ومثال مجيء خبرها جملة اسمية قوله تعالى ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )(3) ، وقوله تعالى ( وأن لا إله إلا هو )(4) .
ومثال مجيء خبرها اسم مفرد وهو قليل كما ذكرت قولنا :
علمت أن محمد مقصر ، والتقدير : أنه محمد مقصر .
ومنه قول الأعشى :
في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
والتقدير : أنه هالك . وإذا وليها جملة فعلية كما ذكرنا في الأمثلة السابقة نظرنا إلى الفعل فإن كان قد فصل بينه وبين ( أن ) بفاصل كانت مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، نحو قوله تعالى ( علم أن سيكون منك مرضى )(5) .
ومنه قول جرير :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع
فرفع الفعل ( سيقتل ) بعد ( أن ) باعتبارها مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف تقديره : أنه سيقتل مربعاً .
وإذا لم يفصل بينها وبين الفعل فاصل فلك الخيار في إعمالها في الفعل أو عدم الإعمال واعتبارها مخففة من الثقيلة أيضاً .
ـــــــــــــ
(1) المائدة [113] (2) الكهف [48] .
(3) يونس [10] (4) هود [14] .
(5) المزمل [10] .
أنْ
كقول القاسم بن معن :
أن تهبطين بلا قوم يرتعون مع الطلاح
والشاهد في البيت قوله : أن تهبطين ، فقد رفع الشاعر الفعل على اعتبار أنّ
( أن ) مخففة من الثقيلة ، وليست ( أن ) المصدرية .
ويجوز في ( أن ) المخففة من الثقيلة إعمالها بدون تقدير الضمير على نية التثقيل ، نحو : علمت أن محمداً قائم .
يعني : أنّ محمداً قائم ، ومنه قول جنوب ( عمرة ) أخت عمرو ذي الكلب الهزلية * :
بأنْك ربيع وغيث مريع وقد ما هناك تكون الثمالا
فخفف الشاعر ( أن ) وأنفذ عملها فنصب ضمير المخاطب المتصل بها ، ورفع خبرها وهو ( ربيع ) ومعنى الثمال : الغياث ، والمريع : الكثير المرعى(1) .
2 ـ ( أن ) التفسيرية : وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه ، وأن تتأخر عنها جملة ، وألا تقترن بحرف جر ، وعلامتها أن يحسن في موضعها ( أي ) ، نحو قوله تعالى ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا )(2) .
ونحو قوله تعالى ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا )(3) .
وقوله تعالى ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً )(4) .
ـــــــــــــ
(1) أنظر الأزهرية في علم الحروف للهروي ص61 .
(2) ص [6] (3) المؤمنون [27] .
(4) النحل [67] .
* نسب الهروي البيت السابق لكعب بن زهير خطأ ، فهو غير موجود في ديوانه .
أنْ
وقد أنكر الكوفيون أن تكون ( أن ) مفسرة ، وذكر ابن هشام في المغني أنه يميل لما قال به الكوفيون لأنه لو جعلنا ( أي ) مكان ( أن ) لم يكن المعنى مقبولاً (1) .
كما أنه ليس في القرآن الكريم آية تتعين ( أن ) فيها أن تكون تفسيرية لا تحتمل غير ذلك وكذلك الحال بالنسبة لأمثلة النحويين وشواهدهم (2) .
4 ـ ( أن ) الزائدة :
( أ ) تزاد أن للتوكيد يعد لمّا الحينية ، نحو قوله تعالى ( فلما أن جاء البشير )(3) ، وقوله تعالى ( ولما أن جاءت رسلنا )(4) .
ومنه قول الشاعر * :
ولما أن تجهمني مرادي جريت مع الزمان كما أراد
ومنه قول الآخر :
فلما أن طغت سفهاء كعب فتحنا بيننا للحرب بابا
( ب ) تزاد بين فعل القسم المذكور و ( لو ) ، كقوله تعالى ( أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً )(5) ، على تقدير قسم محذوف ، أي أقسم أن لو يشاء الله .
ــــــــــــ
(1) المغني ج1 ص31 . (2) دراسات لأسلوب القرآن الكريم القسم الأول ج1 ص383 .
(3) يوسف [96] (4) العنكبوت [33] (5) الرعد [31] .
* أبو العلاء : هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي من أهل معرة النعمان – بلدة صغيرة بالشام بالقرب من حماة – صاحب التصانيف المشهورة ، والرسائل المأثورة ، وله من النظم لزوم ما لا يلزم ، وسقط الزند ، ولد بالسمرة سنة 363 هـ ، وجدر في السنة الثانية من عمره فعمي ، رحل إلى بغداد سنة 398 وأقام بها قليلاً ، ثم رجع إلى المعرة ولزم منزله وشرع في التصنيف ، فأخذ عنه الناس وسار إليه الطلبة ، وكاتبه العلماء والوزراء ، وسمى نفسه رهين المحبسين ، توفي سنة 449 هـ .
أنْ
ومنه قول المسيب بن علي :
فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لكم يوم من الحشر مظلم
تنبيه : تأتي ( أن ) اسماً في موضعين وقد ذكر ذلك ابن هشام والمرادي .
1 ـ أما الموضع الأول في مثل قولك ( أن فعلت ) وهي بمعنى ( أنا ) ضمير المتكلم .
2 ـ ( أن ) في أنتَ وأنتِ وأخواتها بأنّ ( أن ) هي الضمير ، والتاء حرف خطاب (1) .
ولا يخفى علينا ما في هذا من تكلف ، وخروج عن المألوف .
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( وأن تصوموا خير لكم ) .
وأن : الواو واو الحال . أن : حرف مصدري ونصب .
تصوموا : فعل مضارع منصوب بأن ، وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وواو الجماعة في محل رفع فاعله ، والألف للتفريق ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة أن المصدرية .
وأن والفعل المضارع بتأويل مصدر في محل رفع مبتدأ والتقدير صيامكم .
خير : خبر مرفوع بالضمة .
وجملة صيامكم خير لكم في محل نصب حال من كاف الخطاب والرابط الواو والضمير . لكم : جار ومجرور متعلقان بخير .
ــــــــــــ
(1) أنظر في ذلك مغني اللبيب ج1 ص27 ، والجنى الداني ص215 .
أنْ
قال تعالى ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) .
وآخر : الواو حسب ما قبلها ، آخر : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف .
دعواهم : دعوى مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر ، ودعوى مضاف ، والضمير في محل جر مضاف إليه .
أن : مخففة من الثقيلة ، حرف توكيد ونصب مشبه بالفعل ، واسمه ضمير الشأن المحذوف مستتر فيه جوازاً تقديره ( أنه ) .
الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة .
لله : لفظ الجلالة مجرور بحرف الجر .
وشبه الجملة متعلق بمحذوف خبر في محل رفع .
وجملة الحمد لله في محل رفع خبر أن .
وجملة أن الحمد ... الخ في محل رفع خبر لآخر .
رب : لفظ الجلالة بدل من الله ، ورب مضاف .
العالمين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم .
إنْ
حرف يأتي لعدة أوجه :
1 ـ حرف شرط يجزم فعلين ، ويفيد تعليق الجواب بالشرط فقط ، نحو : إن تدرس تنجح ، ومنه قوله تعالى ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية )(1) .
وقوله تعالى ( إن تصبك حسنة تسؤهم )(2) .
ومنه قول الشاعر * :
إن تُبتدر غاية يوماً لمكرمة تلق السوابق منا والمصلينا
ويكثر مجيء ( ما ) الزائدة بعد ( إن ) فتدغم فيها النون ، نحو قوله تعالى
( وإمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله )(3) .
وقد تقترن ( إن ) الشرطية ( بلا ) النافية التي لا عمل لها فتدغم ( لا ) في نون ( إن ) ، نحو : إلاّ تحضر الامتحان ترسب .
ومنه قوله تعالى ( إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً )(4) .
وقوله تعالى ( إلا تنصروه فقد نصره الله )(5) .
وكما يلي ( إن ) فعل ظاهر ، يجوز أن يليها فعل مضمر يفسره ما بعده .
نحو قوله تعالى ( إن امرؤ هلك )(6) .
ــــــــــــ
(1) الشعراء [4] (2) التوبة [50] .
(3) الأعراف [199] (4) التوبة [39] .
(6) التوبة [40] (6) النساء [176] .
* المرقش الأكبر : هو عمرو بن سعيد ، وقيل عوف بن سعيد بن مالك ، ينتهي نسبه إلى بكر ابن وائل ، شاعر جاهلي على عهد المهلل بن ربيعة ، شهد مع المرقش الأصغر . حرب بكر وتغلب ، وكان من الفرسان المعدودين ، والمرقش الأصغر ابن أخيه ، كان المرقش الأكبر أحد المتيمين ، فقد أحب ابنة عمه أسماء بنت عوف بن مالك ، لكن والدها زوجها غيره ، فأصابه حزن شديد مات على إثره .
إنْ
وقوله تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك )(1) .
2 ـ مخففة من ( إن ) الثقيلة ولك في عملها الخيار إذا دخلت على الأسماء فإن شئت رفعت ما بعدها على الابتداء ، وأبطلت عملها ، وهذا هو الرأي الأرجح ، وتلازم اللام الفارقة خبرها للتفريق بينها وبين ( إن ) النافية ، نحو : إن محمد لمجتهد .
ومنه قوله تعالى ( إن كل نفس لما عليها حافظ )(2) .
وقوله تعالى ( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا )(3) .
وقوله تعالى ( وإن كل لما جميع لدينا محضرون )(4) .
ومنه قول النابغة الذبياني :
وإن مالك للمرتجي إن تقعقعت رحى الحرب أو دارت عليّ خطوب
ومنه قول الآخر :
إن القوم والحي الذي أنا منهم لأهل مقامات وشاء وجامل
وإن نشئت نصبت بها على معنى التثقيل وهو قليل .
نحو : إن محمداً قائم .
ومنه قوله تعالى ( وإن كلاً لما لوفينهم ربك أعمالهم )(5) .
ولا تحتج العاملة إلى لام فارقة ، وإن وجدت اللام فهي للتوكيد .
ومنه قول الشاعر :
كليب إن الناس الذين عهدتهم بجمهور حزوى فالرياض لذي النخل
فنصب ( كلاً ) في الآية السابقة ، و ( الناس ) في البيت السابق على نية تثقيل ( إن ) .
ـــــــــــــ
(1) التوبة [6] (2) الطارق [4] (3) الزخرف [35] .
(4) يس [32] (5) هود [111] .
إنْ
أما إذا دخلت ( إن ) على الأفعال أُهمل عملها وجوباً ، وأكثر ما يليها فعل ماض ناسخ .
نحو قوله تعالى ( وإن كنت لمن الساخرين )(1) .
وقوله تعالى ( وإن كدت لتردين )(2) .
وقوله تعالى ( وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين )(3) .
وأقل منه أن يليها فعل مضارع ناسخ ، نحو قوله تعالى ( وإن نظنك لمن الكاذبين )(4) ، وقوله تعالى ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك )(5) .
والنوعان السابقان قياسيان ودونهما أن يليها فعل ماض غير ناسخ .
كقول عاتكة بنت زيد * :
شلت يمينك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد
3 ـ وتأتي ( إن ) نافية لا عمل لها متضمنة معنى ( ما ) النافية .
نحو : إن محمد إلا مجتهد ، ومنه قوله تعالى ( إن الكافرون إلا في غرور )(6) .
4 ـ وتأتي مشبهة ( بليس ) ، ترفع المبتدأ وتنصب الخبر ، وهذا مختلف فيه (7) .
ـــــــــــــ
(1) الزمر [56] (2) الصافات [56] (3) الأعراف [101] .
(4) الشعراء [186] (5) القلم [51] (6) الملك [20] .
(7) أنظر الجنى الداني ص209 .
* عاتكة بنت زيد : هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية كانت امرأة ذات جمال . وكمال ، وتمام في عقلها ، ومنظرها ، وجزالة رأيها ، تزوجت عبد الله بن أبي بكر ، ثم تزوجت من بعده عمر بن الخطاب ، فالزبير بن العوام ، فالحسين بن علي ، وقد ماتوا جميعاً قتلاً فكانت جميلة مشئومة .
إنْ
ومن شروط عملها ألا يتقدم خبرها على اسمها ، وألا ينتقض نفيها بإلا .
مثال عملها : إن زيد شاعراً ، وإن أحد خيراً من أحد .
ولم تقع ( إن ) النافية العاملة عمل ليس والداخلة على الجملة الاسمية إلا فيما جاء من قراءة سعيد بن جبير في قوله تعالى ( إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم )(1) بتخفيف ( إن ) ، وأعمالها عمل ليس ، وفي رأيي أنها من القراءات الشاذة لأن القراء السبعة المشهورين لم يعملوا بها ، ولم يخرجها على الوجه الذي قرأ به ابن جبير إلا أبو الفتوح بن جني في المحتسب(2)وقال عنه أي عن إعمال إن عمل ليس في تلك الآية ضعيف ، وقد أوردناه للاطلاع ليس غير . وقد أشار أبو حيان في البحر(3)إلى قراءة سعيد بن جبير السابقة وإعمال ( إن ) عمل ليس .
فالذين في محل رفع اسمها ، وعباداً خبرها منصوب ، وقد ضعفه النحاس أيضاً لوجوه ذكرها أبو حيان ، غير أن المفسرين يعملون بالوجه الذي قرأ به ابن جبير والله أعلم .
ومن شواهد ( إن ) العاملة عمل ليس في الشعر قول الشاعر * :
إن هو مستولياً على أحد إلا على أضعف المجانين
فهو في محل رفع اسم إن النافية ، ومستولياً خبرها منصوب بالفتحة الظاهرة .
5 ـ وتأتي ( إن ) زائدة وتكون زيادتها بعد الآتي :
( أ ) بعد ( ما ) الموصولة كقول جابر بن رالان ** :
ــــــــــــــ
(1) الأعراف [194] (2) أنظر المحتسب ج1 ص270 .
(3) أنظر البحر المحيط ج4 ص442 .
* الشاهد بلا نسبة في مصادره .
** الشاهد في بعض المصادر بلا نسبة ، وبعضها نسبه لجابر بن رالان ، ولم أقع له على ترجمة فيما لدي من مصادر على كثرتها وقد ذكرتها سابقاً .
إنْ
يرجى المرء ما إن لا يراه وتعرض دون أدناه الخطوب
( ب ) بعد ( ما ) المصدرية ، كقول معلوط بن بدل القريعي * :
ورج الفتى للخير ما إن رأيته على السن خيراً لا يزال يزيد
( ج ) بعد ( ما ) و ( لا ) النافيتين .
فأما ( ما ) فيبطل عملها إذا دخلت على الأسماء ، لأن الأصل إعمالها في لغة تميم كقول فروة بن مسيك ** :
مما إن طبّنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
ومنه قول النابغة الذبياني :
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي
ومثال زيادتها بعد ( لا ) النافية قول الآخر :
يا طائر البين لا إن زلت ذا وجل أحاذر أن تنأى النوى بغضوبا
6 ـ تأتي ( إن ) وصلية أو معترضة ، ولا يكون لشرطها جواب ، ويراد بها تقرير المعنى السابق (1) .
ـــــــــــــ
(1) أنظر التذكر في قواعد اللغة ص370 .
* الشاهد لمعلوط بن بدل القريعي في بعض المصادر ولم أقع له على ترجمة أيضاً ، وفي بعضها بلا نسبة .
** فروة بن مسيك : هو فروة بن مسيك بن الحارث بن سلمة الغطيفي المرادي ، يلقب بأبي عمرو . صحابي من الولاة ، يمني الأصل ، موالياً لملوك كنده في الجاهلية ، رحل إلى مكة وافداً على النبي صلى الله عليه وسلم سنة 9 هـ ، وأسلم ونزل على سعد بن عبادة ، وتعلم القرآن والفرائض ، استعمله الرسول على مراد ومذحج وربيد ، وقاتل أهل الردة وبقي إلى خلافة عمر ، سكن الكوفة في أواخر أيامه ، وتوفي نحو 30 هـ ، كان شاعراً مجيداً .
إنْ
كقول الشاعر :
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
7 ـ أن تكون بمعنى ( إذ ) ، نحو قوله تعالى ( وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين )(1) .
( فإن ) عند بعض المحققين والمفسرين بمعنى ( إذ ) والتقدير : إذ كنتم مؤمنين .
لأن الخطاب للمؤمنين ، ولو كانت ( إن ) في هذا الموضع شرطية لوجب أن يكون الخطاب لغير المؤمنين ، لأن الفعل الماضي في الجزاء معناه في المستقبل (2) .
ومنه قوله تعالى ( فالله أحق أن تخشوه إن كنت مؤمنين )(3) .
وقال بعض النحاة المتقدمين إنّ ( إن ) في المواضع السابقة شرطية على تقدير معنى قوله من كان مؤمناً ترك الربا ، ومن كان مؤمناً لم يخش إلا الله .
8 ـ وتكون ( إن ) بمعنى ( إما ) التفصيلية .
كقول النمر بن تولب * :
سقته الرواعد من صيّف وإن من خريف فلن يعدما
قال سيبويه : يريد وإما من خريف وحذف ( ما ) لضرورة الشعر .
ـــــــــــــ
(1) البقرة [278] (2) أنظر الهروي ص55 (3) التوبة [13] .
* النمر بن تولب : هو النمر بن تولب بن زهير بن أقيش العكلي ، شاعر مخضرم عمر طويلاً في الجاهلية وأدرك الإسلام ، كان من شعراء الربابة ، لم يمدح ، ولم يهجوا أحداً ، وكان من ذوي النعمة الوجاهة ، يشبه شعره شعر حاتم الطائي ، أسلم وهو كبير في السن ، ووفد على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحمله إلى قومه كتاباً يدعوهم فيه للإسلام ، توفي سنة 14 هـ .
إنْ
ومنه قول دريد بن الصمة * :
لقد كذبتك عينك فاكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر
أي : فإما جزعاً وإما إجمال صبر ، وقد أكد سيبويه على أن ( إن ) في هذا الموضع بمعنى ( إما ) أيضاً وليست للجزاء (1) .
نماذج من الإعراب
قال تعالى ( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ) .
إن : حرف شرط جازم لفعلين مبني على السكون لا محل له من الإعراب .
نشأ : فعل مضارع مجزوم بإن ، وعلامة جزمه السكون ، وهو فعل الشرط ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره نحن .
وجملة نشأ ابتدائية لا محل لها من الإعراب .
ننزل : فعل مضارع مجزوم بإن ، وعلامة جزمه السكون ، وهو جواب الشرط وجزاؤه ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره نحن .
وجملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب لعدم اقترانها بالفاء .
عليهم : جار ومجرور متعلقان بننزل .
من السماء : جار ومجرور متعلقان بننزل أيضاً .
آية : مفعول به منصوب بالفتحة .
ــــــــــــــ
(1) أنظر الكتاب لسيبويه ج1 ص266-267 تحقيق عبد السلام هارون .
* دريد بن الصمة : هو دريد بن الصمة بن الحارث بن معاوية ينتهي نسبه إلى بكر بن هوازن ، فارس مشهور وشاعر مذكور ، كان أطول الشعراء الفرسان غزواً وأبعدهم أثراً وأكثرهم ظفراً وأيمنهم نقيبة عند العرب ، وهو أشعرهم ، وفارس بني جشم وسيدهم ، أدرك الإسلام فلم يسلم ، خرج يوم حنين مظاهر للمشركين وقتل يومها على شركه .
إنْ
قال تعالى ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) .
إن : نافية لا عمل لها بمعنى ما ، وقد تكون مخففة من الثقيلة لا عمل لها أيضاً .
كل : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وكل مضاف .
نفس : مضاف إليه مجرور بالكسرة .
لما : حرف بمعنى ( إلا ) لا عمل له .
عليها : جار ومجرور متعلقان بحافظ .
حافظ : خبر ، وتقدير الكلام إن كل نفس إلا عليها حافظ .
هذا في قراءة من قرأ ( لما ) بالتشديد ، وإذا قرأت بالتخفيف فما صلة ، والتقدير إن كل نفس لعليها حافظ (1) .
قال تعالى ( إن الكافرون إلا في غرور ) .
إن : نافية لا عمل لها متضمنة معنى ( ما ) النافية .
الكافرون : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم .
إلا : حرف استثناء ملغي ( أداة حصر ) .
في غرور : جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ .
" إن أحد خيراً من أحد " .
إن : حرف نفي يعمل عمل ليس .
أحد : اسم إن مرفوع بالضمة .
خيراً : خبر إن منصوب بالفتحة .
من أحد : جار ومجرور متعلقان بخير .
ــــــــــــــ
(1) أنظر إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه ص 42 .